الرعاية الصحية الأولية


بسم الله الرحمن الرحيم

هنالك تعريفات عديدة للرعاية الصحية الأولية، وإن كانت تدور في مجملها حول سبل تقديم الرعاية الصحية الشاملة بأبعادها النفسية والاجتماعية والعضوية بما يكفل للفرد والجماعة حالة صحية جيدة، تمكنهم من الحياة المنتجة وبأساليب مقبولة دينياً واجتماعياً. قد يكون من المهم في هذا المجال لفت الأنظار إلى أن بعض الدراسات الاقتصادية الصحية أشارت إلى أن نسبة كبيرة من المشكلات الصحية (80-85%) هي مشكلات تتوافر حلولها وبشكل أفضل لدى مستوى الرعاية الصحية الأولية، أما النسبة المتبقية (15-20%) فإنها في حاجة إلى مستوى الرعاية الصحية المتخصصة. ولكي يكون بمقدورنا بناء نظام صحي على أسس سليمة نعتقد أنه من المهم الإلمام ببدايات نظام الرعاية الصحية الأولية وتطورها. فمع بدايات القرن الميلادي الحالي الذي شارف على الانتهاء حيث كان التوجه في دول أوروبا وأمريكا الشمالية والمعروفة بتقدمها في مجال الخدمات الصحية يسير بخطى سريعة نحو التخصص والتخصيص الدقيق في علوم الطب ومجالاته التي عاشت ثورة خرافية في هذا القرن. ومع حلول ثلاثينيات هذا القرن بدأت فجوة خطرة في الخدمات الصحية في البروز وهي تلاشي الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة، مما حدا بالمهتمين في هذا المجال في أكثر من دولة إلى تدارس الوضع وتحديد خطورته مما أدى إلى بروز الحاجة إلى وجود تخصص جديد في مجال الرعاية الصحية الأولية المتكاملة يناط به الدور الأساس في تقديم الخدمة الصحية أو يتم من خلاله التغلب على مشكلات الاتصال المباشر مع التخصصات الطبية مما يؤدي إلى نظرة تخصصية قاصرة من جهة تسمى «Tunnel vision»، كما يؤدي من جهة أخرى إلى تفاقهم تكاليف الخدمات الصحية بشكل لا يستطيع الأفراد ولا المجتمعات بل ولا القوى الاقتصادية العظمى من الوفاء به. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال ذكر فرانسيس بدبوي «Francis Peadboy» سنة 1923 بأن اتجاه البندول نحو التخصص قد وصل بالفعل إلى قمة أوجه، أو بأن الطب الحديث في توجهه هذا قد أدى إلى تبديد منظومة النظام الصحي إلى حد بعيد كما دعا إلى الحاجة الماسة للعودة السريعة إلى الطبيب العام المؤهل لتقديم رعاية شاملة وبكفاءة عالية. استمر التوجه إلى التخصص في الولايات المتحدة في العشرينيات وحتى أوائل الخمسينيات من هذا القرن عندما انطلق ما يعرف بتقرير بين «Bane Report» عن المجموعة الطبية والجراحية للتعليم الطبي والذي أظهر النقص الحاد والخطر في مجالي طب الأسرة والرعاية الصحية الأولية الشاملة، والذي يشمل حسب ما جاء في هذا التقرير أطباء الأطفال والطب الباطني العام ويشمل كذلك الجراحين العامين. وفي وقت متزامن مع ما يحدث في الولايات المتحدة كانت المملكة المتحدة «بريطانيا» والسويد في أوروبا تعيشان وضعاً مشابهاً مما أدى إلى بزوغ نجم الرعاية الصحية الأولىة بهذه الدول وتحت مسميات مختلفة. وفي عام 1963م كانت لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية في التعليم المهني والفني في المجال الطبي قد أصدرت تقريراً يوصي بتدريب أطباء ومتخصصين في مجال طب الأسرة والرعاية الصحية الأولية لحاجة المجتمع الماسة لذلك. تلى ذلك تطورات جادة في هذا المنحى أدت إلى صدور ما يعرف ببيان المآتا (إحدى مدن الاتحاد السوفييتي السابق) وذلك في أواخر سبعينيات هذا القرن والذي حدد مهام الرعاية الصحية الأولية والحاجة الماسة إليها للحفاظ على عالم يتمتع بصحة تمكنه بإذن الله تعالى من عمارة هذه الأرض. أما أهداف الرعاية الصحية الأولية فيمكن إجمالها في :
الاهتمام بالصحة بالنسبة للفرد أو المجتمع، من خلال أبعادها المختلفة العضوية والنفسية والاجتماعية والثقافية، حيث يقوم بذلك فريق صحي متكامل ينطلق من المجتمع والأسرة ليقوم بتقديم خدمات صحية متعددة يمكن أن نجملها في النقاط التالية:


 * تقديم الخدمات الوقائية من خلال برامج رعاية الأمومة والطفولة.
 تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية للأمراض العضوية والنفسية الشائعة في المجتمع.
 * العمل على حل المشكلات الصحية الوبائية والمستوطنة والإصحاح البيئي.
 * العمل على توفير الأدوية الضرورية والأساسية.
 العمل على توفير إمدادات المياه الصحية والغذاء الصحي.
* نشر الوعي الصحي والسلوكيات الصحية.
* تنسيق الخدمات التأهيلية والمساندة بما يكفل حياة منتجة لجميع أفراد المجتمع.
 * تقديم خدمات تطوير وتحسين الوضع الصحي للفرد والأسرة والمجتمع.


وكما يتضح من هذا السرد المجمل فإن مثل هذه الأهداف تتطلب تضافر جهود قطاعات مختلفة من المجتمع في إطار تعاوني وتكاملي من أجل الوصول إلى أفضل المؤشرات الصحية بإذن الله تعالى. إن هذا كله يدعو إلى النظر وبعمق إلى بناء النظام الصحي على أسس سليمة يتوازن فيها تقديم الخدمة الصحية بمستوياتها المختلفة بما يمكن من تحقيق وضع صحي متميز يقاس بالمؤشرات الصحية العلمية المعروفة وليس من خلال عرض أعداد المراكز الصحية دقيقة للتخصص أو الإجراءات الطبية المعقدة وباهظة التكاليف. وأهم مفاتيح النجاح بعد توفيق الله هو التخطيط السليم والتقويم السليم والمشاركة الفاعلة والهادفة بين مقدم الخدمة الصحية والمستفيد منه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق